KFARKELA

ISRAELI OCCUPATION

Home
HISTORY BC
HISTORY AC to1100
HISTORY AC 1100 to 1920
ISRAELI OCCUPATION
Lebanon and Israeli Occupation
Palestine and Israeli Occupation
AAMEL MOUNTAIN
RUINS and CAVES
GENERAL VIEW
VITAL RESOURCES

lightning.gif

hill.gif

الصهيونية:

حركة سياسية عنصرية متطرفة، ترمي إلى إقامة دولة لليهود في فلسطين تحكم من خلالها العالم كله. واشتقت الصهيونية من اسم (جبل صهيون) في القدس حيث تطمع الصهيونية أن تشيد فيها هيكل سليمان، وتقيم مملكة لها تكون القدس عاصمتها. ارتبطت الحركة الصهيونية بشخصية اليهودي النمساوي "هرتزل" الذي يعد الداعية الأول للفكر الصهيوني الذي تقوم على آرائه الحركة الصهيونية في العالم .

مراحل التأسيس وأهم الشخصيات الصهيونية :

 للصهيونية العالمية جذور تاريخية فكرية وسياسية تجعل من الضروري لفهم هذه الحركة  الوقوف عند الأدوار التالية :

-1
حركة المكابيين التي أعقبت العودة من السبي البابلي (586 - 538م) قبل الميلاد، وأول أهدافها العودة إلى صهيون وبناء هيكل سليمان.

-2
حركة باركو خبا (118 - 138م) وقد أثار هذا اليهودي الحماسة في نفوس اليهود وحثهم على التجمع في فلسطين وتأسيس دولة يهودية فيها.

-3
حركة موزس الكريتي وكانت شبيهة بحركة باركو خبا.

-4
مرحلة الركود في النشاط اليهودي بسبب اضطهاد اليهود وتشتتهم. ومع ذلك فقد ظل الشعور القومي عند اليهود عنيفاً لم يضعف.

-5
حركة دافيد روبين وتلميذه سولومون مولوخ (1501م - 1532م) وقد حثا اليهود على ضرورة العودة لتأسيس ملك إسرائيل في فلسطين.

-6
حركة منشه بن إسرائيل (1604 0 1657م) وهي النواة الأولى التي وجهت خطط الصهيونية وركزتها على أساس استخدام بريطانيا في تحقيق أهداف الصهيونية.

-7
حركة شبتاي زفي (1626 - 1676م) الذي ادعى أنه مسيح اليهود المخلص فأخذ اليهود يستعدون للعودة إلى فلسطين ولكن مخلصهم مات.

-8
حركة رجال المال التي تزعمها روتشيلد وموسى مونتفيوري وكانت تهدف إلى إنشاء مستعمرات يهودية في فلسطين كخطوة أولى لامتلاك الأرض ثم إقامة دولة اليهود.-9 الحركة الفكرية الاستعمارية التي دعت إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين في بداية القرن التاسع عشر.-

-9
حركة صهيونية عنيفة قامت إثر مذابح اليهود في روسيا سنة 1882م وفي هذه الفترة ألف هيكلر الجرماني كتاب بعنوان (إرجاع اليهود إلى فلسطين حسب أقوال الأنبياء).

-10
الصهيونية الحديثة وهي الحركة المنسوبة إلى تيودور هرتزل الصحفي اليهودي النمساوي (1860 - 1904م) وهدفها الأساسي الواضح قيادة اليهود إلى حكم العالم بدءاً بإقامة دولة لهم في فلسطين.

وقد أقام هرتزل أول مؤتمر صهيوني عالمي سنة 1897م، ونجح في تجميع يهود العالم حوله كما نجح في جمع دهاة اليهود الذين صدرت عنهم أخطر مقررات في تاريخ العالم وهي "بروتوكولات حكماء صهيون" المستمدة من تعاليم كتب اليهود المحرفة التي يقدسونها، ومن ذلك الوقت أحكم اليهود تنظيماتهم وأصبحوا يتحركون بدقة ودهاء وخفاء لتحقيق أهدافهم التدميرية التي أصبحت نتائجها واضحة للعيان في زمننا هذا.

 

g14.gif

من المعروف تاريخيا أن اكبر تجمع لليهود , فيما بين القرن الثامن عشر والتاسع عشر , كان موجودا في أوروبا , وكان هؤلاء يعيشون في شبه عزلة عن العالم أو في إطار منعزل عن المجتمعات التي يعيشون فيها , وكانت الجماعات اليهودية تعتبر هذا الانعزال ضرورة ونوعا من الحماية لها , وليهوديتها , ولم تكن تلك الانعزالية بناء على مرسوم حكومي وإنما كانت قرارا ذاتيا بالعيش في " الغيتو " عملا بوصايا الحاخامات والزعماء اليهود

الذين قاموا بتأسيس ذهنية دينية صارمة تغذيها التعاليم التوراتية والتلمودية التي تقوم على الاستعلاء من جهة والعزلة داخل أ سوار الحي اليهودي " الغيتو " من جهة أخرى . ومن هنا نجد أن كل من التوراة والتلمود قد عملا على فرض حصار من العزلة الوجدانية والعقلية لليهود على اعتبار التميز الحضاري والنقاء العرقي , وبهذا قد ساهما بتعميق شعور العزلة والعيش في مناخ يسوده الإحساس بالمفاضلة على الآخر . ولم كانت عزلة اليهود هذه اختيارية فلم يشاركوا في الحياة الاجتماعية العامة للأوطان التي كانوا يعيشون فيها , ومن ثم كانت لهم حياتهم وإدارتهم الخاصة بهم لشئونهم الداخلية . على أن نجاح التوراة والتلمود في هذا وبقائه المصدر الرئيسي للتشريع اليهودي قد لا يكون راجعا إلى حكمته بل إلى ضرورته في " حفظ النظام والاستقرار بين جماعات تعيش في خطر دائم وسط عقائد معادية وشرائع أجنبية . ففي الشتات كان على الكنيس _ المجمع _ أن يقوم بما تقوم به الكنيسة والحكومة , وقد ربط الحاخامات بين أفراد شعبهم في وحدة متماسكة خلال جميع التقلبات والغير بإعطائهم بركة إيمان ديني فخور لناموس نظم كل منحى من مناحي الحياة اليهودية وأصبحت الأسفار الموسوية الخمس الدستور _ وأصبح التلمود المحكمة العليا _ لدولة غير منظورة " 1 .ومع بداية انتشار الحركة العلمانية وظهور القوميات أخذت الجماعات اليهودية في غرب أوروبا " السفا رديم " على العكس من اليهود في شرق أوروبا " الاشكناز " تشعر بعدم وجود ذلك الترابط العميق فيما بينهم على أن فكرة الاندماج بالشعوب الأخرى التي يعيشون بينها قد شاعت , وعملت على خلق اتجاه معارض لفكرة أن الجماعات اليهودية في أوروبا تعيش في منفاها الخاص بها , وأنه على العكس تماما من ذلك هو شعور المواطنة كان قد تعزز لديهم وأصبح أقوى من أن تؤثر فيه تلك الادعاءات والمزاعم التي تمسكت بها الجماعات اليهودية في شرق أوروبا " الاشكناز " ولعل عملية الاندماج أو الذوبان الاجتماعي التي شهدها اليهود في أوروبا الغربية تعود في الواقع إلى طبيعة الحراك الاجتماعي التي شهدتها أوروبا في بدايات القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر والتحول الاقتصادي والاجتماعي الذي بدأ يتشكل هناك . كما أن ظهور الحركات القومية في أوروبا أخذ على عاتقه تشكيل الأمة أو محاولة إعادة صياغة مفهوم جديد للأمة والسعي إلى التجانس المجتمعي لها , لذلك لم يكن اليهود الغربيين مبالين بما اصطلح عليه " الأحياء القومي اليهودي " كما أن التطورات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية في أوروبا الغربية أعانت " على تحرير اليهود وظهور بما يسمى الهسقلة .. أو التنوير اليهودي " 2 , والهسقلة أو الهاسكالاه " كلمة كانت تعني الحكمة , ولكنها أصبحت في هذا السياق تعني أو ترمز للتنوير اليهودي , أو تمرد عدد متزايد من اليهود على سيطرة الأخبار والتلمود , وتصميمهم على أن يندمجوا اندماجا نشيطا في تيار الفكر الحديث " 3 , خاصة وأن نشاط " حركة التنوير اليهودي " كانت قد تمحورت حول دعوة اليهود إلى " تحطيم أسوار الغيتو والاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها " 4و وذلك في ظل التحولات العميقة التي كانت تشهدها أوروبا آنذاك على مختلف الأصعدة . وقد لقيت هذه الدعوة استجابة من بعض النخب الثقافية اليهودية الرافضة للانعزال الغيتوي وأطلق على هؤلاء النخبة صفة العلمانيين في مواجهة اتجاه الانعزال الذي رأى في الاندماج تبديدا للهوية اليهودية وتقويضا للانتماء أو هي في حقيقتها محاولة صريحة للفضاء عليها . من هنا " وقع انقسام بين اليهود المتمردين المقبلين على الحداثة , واليهود المحافظين الذين شعروا بأن الولاء للتلمود والمجتمع اليهودي هو الطريق الأوحد للحفاظ على الوحدة الدينية والعرقية والأخلاقية للشعب اليهودي" 5 . وقد كان لظهور الاتجاه الرافض لدعوة المحافظين اليهود وتفضيل الاتجاه نحو تأكيد المواطنة والاندماج في المجتمعات أسباب خاصة منها أن تيارات التغير والتطور التي نادت بها الثورة الفرنسية ومبادئ العدالة وحقوق الإنسان والحرية والمساواة والتي طرحتها على مستوى عالمي قد أثرت تأثيرا مباشرا في حياة الجماعات اليهودية ودفعت بها نحو المزيد من الاندماج خاصة وأنها شملت جميع قطاعات المجتمع اليهودي , وأخذت تؤكد على أن يكون الانتماء لليهودية انتماءا دينيا فقط , إلى جانب أن التحرير السياسي النهائي للجماعات أو المجتمعات اليهودية " لم يأت إلا مع الثورة الفرنسية , فقد احتواه ضمنا إعلان حقوق الإنسان الذي إذاعته الجمعية الوطنية في 27 أغسطس عام 1789 , وفي 27 سبتمبر عام 1791 وافقت الجمعية التأسيسية على إعطاء كامل الحقوق المدنية لليهود في فرنسا وجاءت جيوش الثورة أو جيوش نابليون بالحرية لليهود في هولندا في عام 1796 , وليهود البندقية في 1797 , وما ينز في 1798 , وفرانكفورت في 1811 , وهكذا اختتمت حقبة العصور الوسطي لليهود " 6 . وقد كان موسى مندلسون ( 1729 – 1786 ) من أهم الشخصيات التي كان لها دورها الهام والفعال في حركة التنوير إذ إنه ألف كتابا عام 1783 أسماه " أورشليم " أو" في السلطة الدينية والديانة اليهودية " " أعاد فيه تأكيد إيمانه اليهودي وأهاب باليهود أن يخرجوا عن عزلتهم وانطوائهم ويدلوا بدلوهم في الثقافة الغربية , وحث على الفصل بين الكنيسة والدولة . وأدان إي إكراه في الدين , وذهب إلى أن الحكم على الدول يكون بقدر اعتمادها على الإقناع لا القوة " 7 . ومن أهم أقواله " بأن اليهودية عقيدة دينية لليهودي أن يتبعها في حياته الخاصة , ولكن عليه أن يندمج في الشعب الذي يعيش فيه , وأن يأخذ بعاداته وثقافته " 8 , مما تقدم يتضح لنا أن حركة التنوير اليهودية قد قامت بمحاولة إزاحة الدين اليهودي عن موقعه كمحدد رئيسي في مسألة الانتماء بين اليهود محاولة منها لترسيخ صياغة جديدة لانتماء جديد . أما زعماء يهود شرق أوروبا فقد ظلوا يسعون – كما رأينا – على العكس من ذلك الاتجاه التحرري , في اتجاه مقابل لليهود الغربيين , أي إلى مقاومة نزعة الاندماج والمواطنة , ومن ثم وكرد فعل طبيعي لتلك الحركة التحررية أخذوا يعملون جاهدين على بعث النزعات العنصرية والانعزالية وذلك من خلال إحياء أو ترسيخ ما أسموه " الأمة اليهودية " , واعتبار " اليهودية " نسقا دينيا إلى جانب هويتها القومية , وأن الشعب اليهودي في حقيقته هو شعب مختلف عن غيره من الشعوب وله قداسة تخصه دون غيره , فهو الشعب المختار . وفي هذا المناخ المنشق ظهرت الحركة الصهيونية متمثلة في " أحباء صهيون " وكان ذلك في ثمانينيات القرن التاسع عشر مركزة أهم أهدافها الاستراتيجية على نقاط ثلاث هي : محاربة الاندماج ومحاولة الإبقاء على التميز العنصري والنقاء العرقي . إلى جانب السعي بجدية لخلق الشعور القومي والتأكيد على مفهوم الأمة اليهودية . إلى جانب مخططها الأساسي وهو استيطان فلسطين . وقد كان لهذه الحركة او هذا الاتجاه أن يصطدم بشدة مع ما طرحته الحركة التنويرية أو " الإصلاح اليهودي " التي كانت تنادي بنهضة اليهود وتطويرهم اقتصاديا واجتماعيا من خلال التأكيد على فكرة الاندماج داخل الدول التي يعيشون فيها وتحديد انتماءاتهم بتبعية تلك الدول . من هنا كانت الحركة الصهيونية كرد فعل لتلك التحولات وعلى الأخص مرد صارم على طروحات حركة الاستنارة ومحاولة جادة لحل المسألة اليهودية فيظل التطورات الحديثة التي عايشتها الدول الأوروبية , منطلقة من اعتبار اليهود عنصرا متميزا , و " امة " لها الحق في الاستقلال وليس الاندماج أو تبعية المجتمعات الأخرى . وقد نشأت الصهيونية مستندة إلى الركائز الدينية اليهودية التي كانت قد تأسست ذهنيا كنتيجة حتمية لتداول التلمود , الذي ملأ حياة اليهود بكثير من الرموز والعقائد وأساليب السلوك الخاصة بهم . لذا كانت الصهيونية ذات طابع ديني في بداياتها الأولى , وهو ما يتقوم بالأمل اليهودي الكبير من خلال عودة " الماشيح " في آخر الزمان وعودة الشعب اليهودي إلى ارض الميعاد ليحكم العالم من جبل صهيون , لذا فقد كانت الصهيونية تحتفظ بالطقوس الدينية الخاصة بالحج إلى الأرض المقدسة منذ العصور الوسطي . وقد استخدم مصطلح " الصهيونية " بمعناه الحديث عام 1890 مع المفكر اليهودي النمساوي ناثان بيرنباوم , إذ انه رفض الإبقاء على التعريف الديني التقليدي القديم للجماعات اليهودية باعتبارها جماعة دينية , وهو التعرف الذي كان سائدا بين يهود العالم حتى نهاية القرن التاسع عشر , وقدم بديلا عنه تعريفا علمانيا يتواءم مع التغيرات الجديدة وقدم تماثلا مقبولا ومعقولا بين القومية والعرق واستبعاد الجانب الديني تماما . وأصبحت الصهيونية حسب هذا التعريف العلماني بمثابة حركة إحياء للقومية اليهودية على أن يكون الهدف منها هو إنهاء حالة المنفى والشتات وعودة اليهود إلى أرض الأجداد . والصهيونية هي في أصلها كلمة مشتقة من لفظ صهيون وهو جبل يقع شرقي القدس كان قد استولى عليه الملك داوود من اليبوسيين وأقام عليه قصره . أما الصهيونية كمصطلح , فهو الصيغة السياسية المعاصرة كمفهوم فهي تتضمن مخزونا أيديولوجيا واستنهاضيا أو تعبويا , إنها إعادة إنتاج لليهودية في إطار صيغة مشروع وطن قومي . وقد عبر بن غوريون عن ماهية الصهيونية فقال : " إن الصهيونية تستمد وجودها وحيويتها وقوتها من مصدر عميق عاطفي دائم مستقل عن الزمان والمكان وقديم قدم الشعب اليهودي . هذا المصدر هو الوعد الإلهي والأمل بالعودة " 9 . هنا نجد أن المخيلة الجماعية اليهودية قد عملت على إيجاد وطن قومي يهودي يكون مؤهلا لتأسيس دولة يهودية . هذا الوطن هو صهيون . وثلما توفر الوطن لجميع القوميات الأخرى كانت المخيلة اليهودية تحاول أن توفر لليهود فكرة تاريخية عن وطن كانوا فيه من قبل وبالتالي يجب أن يعودوا إليه الآن . وأنهم عندما يتوفر لهم الوطن القومي فهم بذلك يؤسسون وطنهم التاريخي المترسخ في وعيهم الديني وهو صهيون / فلسطين , لذا كان بروز الفكر القومي معتمدا على فكرة الوطن التاريخي , وأنه آن الأوان ليكون لهم حق الاستقلال والسيادة مثل كافة الشعوب والدول الأخرى . لذا كان من الضروري وجود حركة تقوم بتنظيم وتوحيد الشعب اليهودي وتحرير الأرض في إطار مفهوم جديد عن الوطن القومي اليهودي وهذا ما كان يعتبر الخطوة الأولى والأساسية للحركة الصهيونية في حل المسألة اليهودية كحركة توحيد وتحرير ومن ثم قيام قومية يهودية . وعلى الرغم من أن الحركة الصهيونية في بداياتها كانت تعتبر حركة قومية أوروبية إلا أن من أهم ما كان يميزها عن بقية الحركات الأخرى هو أنها كانت تسعى لحل المسألة اليهودية وإيجاد وطن لهم خارج وطنهم .. بخلاف الحركات الأخرى التي كانت تسعى للتحرر على أرضها وخلق قومية جمعية تعمل على تأكيد مفهوم امة لها تاريخها ولغتها وفكرها " 10 . .. كما أن الحركة الصهيونية اعتمدت في مسيرتها أو تكونت على الرابط الديني والتمسك بالطقوس الدينية والقانون الديني اليهودي ووحدة الخبرة اليهودية المشتركة في جميع أنحاء العالم وهي خبرة تاريخية غنية بمعنى التمايز والتفرد عن عالم الأغيار . كما أن هذه الخبرة ما هي إلا خبرة شعب يعيش في عالم الغير ومن ثم فهو معرض للاضطهاد والتمييز العنصري والقسوة والفناء , ومن ثم كانت الحركة الصهيونية تعتمد في أساس تكونها على هذه الخبرة التاريخية وهي المكون الأساسي الذي يعتبر بديلا مشروعا عن ضعف الروابط الاجتماعية والدينية الأخرى بين يهود العالم في نختلف ألازمان والمكان . لذا كانت الحركة الصهيونية تقدم مشروعها القومي في مواجهة صارخة مع حركة التنوير اليهودي " الهاسكالاه " فقد كانت تهدف إلى تجميع " الغيتوات المنتشرة في العالم أو ما يسمى عادة بالديسابورا , أو الشتات اليهودي في " غيتو " واحد كبير يكون فريدا في نوعه وهو على حد تسميتهم " إسرائيل الكبرى " 11 . وفي مؤتمر بازل عام 1897 ظهرت الحركة الصهيونية رسميا وتم توحيد جميع بنودها مرتكزة على النشاط التعبوي لليهود وذلك لاستنهاض الشعور القومي والعنصري لمنع اليهود من الذوبان أو الاندماج في المجتمعات التي تعيش بينها , وربما كان لعدم وجود ما يوحد هؤلاء اليهود على مختلف أماكنهم اجتماعيا أو اقتصاديا أو ثقافيا أو حتى لغويا كان لابد من وجود عنصر مشترك يعمل على توحيد هذا الشتات فكان لابد من تشديد الانغلاق العنصري وادعاء التميز , إذ أنه كان لابد من خطوة أولى وهي الانغلاق تليها خطوة تالية إلا وهي الاستنهاض والتحرك في طريق التأسيس والتمركز . كانت تلك البدايات الأولى لظهور الصهيونية على أنها كانت دائما المستفيد الأول من التحولات التاريخية , لذا , وفي إطار رصد تاريخها نجد أنه من الضروري تحديد أهم التحولات التي عاينتها هذه الحركة وعملت على ترسيخها ونجاحها وصولا إلى المرحلة الأخيرة . فقد نشأت الصهيونية في القرن التاسع عشر , عندما كانت الحركات القومية في أوجها , وعندما بادر تيودور هر تزل بتقديم فكرته عن القومية اليهودية كان في ذلك متجانسا مع تلك الحركات القومية الأوروبية الصاعدة "12 .وقد عاينت الحركة الصهيونية تحولا بينا في توجهها إذ اعتمدت تحويل المعتقد الديني المتمثل في ضرورة عودة اليهود جميعهم من الديسابورا إلى ارض الميعاد / فلسطين وتهجير كل من هو ليس بيهودي عن هذه الأرض إلى برنامج سياسي يلتزم بالضرورة بفكرة أساسية وهي أن اليهود يشكلون امة متكاملة توجد في الشتات منذ تحطيم الهيكل على يد الرومان , وان هذه الأمة تنتظر الخلاص والعودة على يد المبعوث المنتظر " الماشيح " والذي يمثل الشرط التوراتي الضروري واللازم للعودة , ومع التحولات التي شهدتها أوروبا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر , خاصة ظهور الرأسمالية التوسعية في ثوبها الاستعماري , والتي اتخذت من السيطرة على منافذ المواصلات التي تربط بين أوروبا وآسيا وأفريقيا وسيلة لفتح أسواق جديدة لاستيعاب الفائض من إنتاجها . في هذه المرحلة توافقت أهداف الظاهرة الرأسمالية الاستعمارية والمخططات الصهيونية على فكرة الاستيطان . وقد كان نابليون بونابرت أول من اقترح فكرة إقامة دولة لليهود في فلسطين . فقد أصدر في 20 ابريل من عام 1799 إثر فرض الحصار على عكا إعلانا دعا فيه جميع اليهود في آسيا و أفريقيا للانضواء تحت لوائه من اجل إعادة تأسيس أورشليم القديمة وخاطبهم قائلا : " يا ورثة فلسطين الشرعيين , أيها الإسرائيليون أيها الشعب الفريد الذين لم تستطع قوى الفتح والطغيان أن تسلبهم اسمهم ووجودهم القومي وإن كانت قد سلبتهم ارض الأجداد .. انهضوا بسرور أيها المبعدون . إن الجيش الذي أرسلتني العناية الإلهية به , والذي يقوده العدل ويواكبه النصر , جعل القدس مقرا لقيادتي .. يا ورثة فلسطين الشرعيين سارعوا . إن هذه هي اللحظة المناسبة التي قد لا تتكرر لآلاف السنين , للمطالبة باستعادة حقوقكم ومكانتكم بين شعوب العالم . تلك الحقوق التي سلبت منكم لآلاف السنين وهي وجودكم السياسي كأمة بين الأمم وحقكم العتيق في عبادة يهوه طبقا لقيدتكم علنا والى الأبد " 13 . نجد أن هذا الإعلان كان قد تم قبل وغد بلفور ب 128 عاما وهو بداية لترسيخ وتبلور استراتيجية استعمارية توسعية شاملة . وما الصهيونية إلا تيار جديد كان قد اخذ يتشكل بدءا بغير اليهود منذ أوائل القرن السادس عشر حين تضافرت حركة الإصلاح الديني وحركة النهضة الأوروبية على إرساء أساس التاريخ الأوروبي الحديث . وقد أثار حينها الاهتمام بالأدب التوراتي وتفسيره مما أدى إلى اهتمام عام باليهود ومسألة عودتهم على فلسطين " 14 .لذا يمكننا القول أن الصهيونية ما كان لها أن تتشكل خارج الظروف الخاصة بيهود أوروبا والتي شكلت التربة الخصبة لنمو البذرة الصهيونية . وفي هذا يقول مكسيم رودنسون : " أن تشكيل دولة إسرائيل على ارض فلسطين هو نتيجة لتطور يمكن إدراجه تماما في حركة التوسع الأوروبية الأمريكية الكبرى في القرنين التاسع عشر والعشرين للاستيطان أو للسيطرة اقتصاديا وسياسيا على الشعوب الأخرى " 15 . وكان تيودور هرتزل يدرك بعمق الهدف الحقيقي ولهذا كان يقول : " فلسطين هي وطننا التاريخي الذي لا يمكننا نسيانه , ومجرد الاسم هو صرخة جامعة عظيمة " 16 . وإلى جانب ذلك نجد هرتزل يحدد الهدف والذي يتقاطع مع التطلعات الاستعمارية وهو : " إن تقيم هناك جزءا من حائط لحماية أوروبا في آسيا , يكون عبارة عن حصن منيع للحضارة في وجه الهمجية " 17 . وبالطبع كان لتلك المتغيرات أن تخلق مناخا جديدا أمام المسألة اليهودية خاصة وانه في منتصف القرن التاسع عشر في شرق أوروبا أخذت تظهر موجات كبيرة من معاداة السامية أو معاداة الجماعات اليهودية مما أدى إلى عرقلة قدرة هذه الجماعات على أن تندمج في مجتمعات الأغلبية وعلى الأخص في شرق أوروبا , من هنا كان لابد من البحث عن حل بديل يتلخص في إخراج اليهود من أوروبا وتوظيفهم كأداة في خدمة المشروع الاستعماري والدفاع عن المصالح الغربية في الشرق 18 . كما أن الخرب العالمية الأولى تعتبر من أهم العوامل المساعدة على تأسيس الفكر الصهيوني والعمل على ترسيخ هذه الحركة كمشروع سياسي وذلك عندما نالت مشروعيتها الدولية من خلال وعد بلفور البريطاني عام 1917 وما تناوله صك الانتداب البريطاني من تأكيد على حق اليهود في ارض فلسطين وحق الشعب اليهودي في إقامة دولته على ارض فلسطين وترسيخ قواعد الوطن القومي اليهودي . إلى جانب ما حققته الحركة الصهيونية من الحرب العالمية الثانية بعد هزيمة ألمانيا وسقوط هتلر الذي كان المضطهد الأول لليهود ومن ثم كان هناك الفرصة متاحة لمشروع الحركة الصهيونية والمطالبة بحق اليهود شرعيا بنفوذهم وحقهم في تأكيد قوميتهم . ولا يقل هذا عما حققته الصهيونية في الحرب الباردة حيث أصبحت هناك مركزية وشرعية لدولة إسرائيل وتمكنت من تحقيق هدفها الأكبر وهو إفراغ المنطقة العربية من يهودها " 19 , وفي نهاية الأمر أتت بالمهاجرين اليهود من روسيا والدول الأخرى . وقد فجر هذا الوضع الجديد لليهود قضية كانت ومازالت من اخطر القضايا وهي مقولة الصهيونية بأن اليهود " امة " خاصة وان الحركات القومية التي تفجرت في العالم الغربي كانت تطرح منظورها وأهدافها على أساس ارتكازها على إلى القوم , وهذا ما كانت تهدف إليه الحركات القومية وهي توحيد القوم أو الأمة . فقد ظهر الفكر القومي الجديد ونشأ وتبلور في عصر الثورة الفرنسية وهي الثورة التي أكدت كما قلنا من قبل على حق الأمم في الاستقلال والسيادة , وأن كل امة وكل شعب من حقه أن يستقل على أرضه وان يمارس السيادة على هذه الأرض . وهذا هو المعنى الحقيقي للحركات القومية , على اعتبار أن هذه الحركة تعمل على إنشاء نطاق جيوسياسي مشروع لتأكيد معنى السيادة والولاء والانتماء لمن هم أحق بها لتحقيق عنصر التمايز والفصل بين الأمم والأقوام . والحركة الصهيونية كانت قد نشأت في ظل هذا التوجه العام صمن نزعة تحررية عالمية النشأة ولذا فقد كان لها لتأخذ معنى القومية كان لابد من تحقيق مبدأ " الأمة " أو أن اليهود يشكلون " امة " حتى يمكن الاعتراف بها كحركة قومية ’ لذا نجد أن الفكرة الأساسية للحركة الصهيونية هو أن اليهود يشكلون في الحقيقة " امة " وهذه الأمة مثلها مثل كل الأمم أو الشعوب الأخرى لها الحق في تقرير المصير وان يكون لليهود دولتهم الخاصة بهم . وهذا في حد ذاته يشكل أهم الفرو قات البينية التي تمايز بين هذه الحركة والحركات القومية الأخرى إذ إن الأخيرة كان الهدف منها هو التوحيد والاستقلال .. إقامة دولة أو امة ذات سيادة حرة وهو ما خلق نوعا من التطابق بين القومية والسيادة " 20 التي تمارسها جميع الأمم الآن . من جهة أخرى نستطيع أن نستنتج من ذلك لماذا سعى اليهود إلى التشدد على الانغلاق العنصري والتميز وادعاء التفوق , ذلك أن الشعور بفقدان الأساس الشرعي أو المقوم الأساسي لقيام حركة قومية مشروعة قد عزز لدى اليهود الشعور بضرورة الانغلاق على الذات وهذا مطلب أولي وضروري لكي يمكن قيما يعد تفعيل العمل الجمعي واستنهاض القوى وترسيخ الشعور القومي فيما بين اليهود وذلك من خلال عملية تعبوية حاجة تؤكد على الفصل والتمييز وتحقيق الذات وليس الاندماج والمواطنة التامة اللتان تعنيان فقدان الهوية واضمحلال الشخصية اليهودية أو ذوبانها لذا كانت هناك ضرورة قوية لحركة تعمل على عدة مستويات أولا توحيد الشعب اليهودي وتحرير الأرض في إطار مفهوم الوطن القومي اليهودي كما رأينا وهي المرحلة الأولى لظهور الصهيونية كحركة لتوحيد وترسيخ اليهودية على أن تجاهد لصهر كل التجمعات اليهودية في بوتقة واحدة تعمل على تشكيل وعي ووجدان موحد . ثانيا أن تنفذ عمليا تهجير لكل اليهود في أنحاء العالم إلى ارض الميعاد المتمثلة في ارض صهيون أو فلسطين . وهذه هي المرحلة الثانية بعد التعبئة والانغلاق والتمايز للصهيونية وكانت قد حددت الهدف المنشود وهو تحقيق دولة صهيون . ثم يأتي بعد ذلك المرحلة الثالثة وهي أهم خطوة في المشروع الصهيوني , وهي الفترة التالية للهجرة وتشكيل جولة إسرائيل , وهي مرحلة لها توجيهاتها الاستراتيجية الخاصة بها والمرتبطة بطبيعة المرحلة الجديدة وهو ضمان استمرار وجود اليهود وتأكيد البعد السياسي والسيادي لهذه الدولة . ولئن كانت من مقومات الدولة القومية هو وجود لغة واحدة وارض واحدة وسلطة سياسية تؤكد الحق الشرعي في السيادة والحكم , كان للحركة الصهيونية أن تعمل عل إيجاد بدائل لهذه العناصر الضرورية لتشكيل دولة قومية , فلم يكن من بديل سوى استخلاص عناصر تأكيدية من التقاليد اليهودية المتفرقة هنا وهناك , فما كان منها إلا ان عملت على انتقاء عناصر حية من تواريخ اليهود المتفرقة هنا وهناك لتشكيل كيان جماعي يهودي بداية في أوروبا بلد المنشأ , ثم بعد ذلك في دولة إسرائيل , ثم إيجاد الأرض التي سوف تقوم عليها الدولة الموعودة .. فلم يكن منها سوى أن وظفت النص الديني في توحيد الوجهة نحو ارض صهيون , على اعتبار أنها ارض الميعاد وهي ارض إسرائيل الكبرى . من هنا نجد أن الأرض كانت تشكل احد ابرز المقومات المكونة للمشروع الصهيوني فهي مقدسة " آرتس يسرائيل " وهي ارض الرب لأن الله يقطن فيها . وارض الميعاد التي سيعود إليها تحت قيادة الماشيح , ثم هي الأرض المختارة التي تفوق قدسيتها أي ارض أخرى لارتباطها بالشعب المختار , وتعاليم التوراة لا يمكن أن تنفذ غلا في آرتس يسرائيل والسكن فيها هو بمنزلة الإيمان , لهذا فالاستيلاء عليها هو استرجاع وعملية تحريرية , بل وفريضة دينية " 21 . أما بالنسبة للغة فقد كانت اللغة العبرية هي اللغة المشروعة لتحقيق نوعا من التوحيد الديني في بداية الأمر لأنها لغة التوراة , على أن تكون هذه اللغة هي اللغة الموحدة وهي اللغة القومية في البلاد والتي سوف تقوم بعملية صهر جماعي لكل اليهود على مختلف مشاربهم وجنسياتهم داخل تجمع قومي كبير . وهو ما أكد عليه بن جور يون " مؤسس الحركة الصهيونية " إذ انه حدد منذ البداية ثلاث مطالب أساسية لتحقيق المشروع الصهيوني : أولا : أن يكون هناك تعبئة عامة تشمل يهود العالم لأجل تحقيق هجرة واسعة إلى إسرائيل . ثانيا : العمل على تطهير ارض الميعاد وتهجير كل من هو ليس بيهودي والعمل على تنشيط الاستيطان أو الشمولية . ثالثا : العمل على تفعيل النشاط القومي بين اليهود من خلال إيجاد وتطوير سياسة تشمل الاقتصاد والمعرفة والثقافة العبرية وتشكيل عقل جمعي يؤكد على وحدة الشعب اليهودي إلى جانب تثقيف الجالية اليهودية في المنفى من اجل دمجها مستقبلا في إسرائيل . وقد كانت الحركة الصهيونية موكول لها بأن تؤسس لهذه المخططات الثلاث والعمل على تحقيقها على ارض الواقع . لذا كانت الصهيونية ومازالت هي المدبر الأول والمشرف والراعي للدولة اليهودية منذ بداياتها وحتى الآن , على أن يكون من مهامها الرئيسية والأساسية الأخيرة هو ضمان استمرار هذه الدولة وتفعيل النشاط اليهودي على المستوى القومي والعالمي بشكل مستمر . .قائمة المراجع :1- قصة الحضارة طبعة الهيئة العامة للكتاب ص 365 . 2- المصدر السابق ص 384 . 3- المصدر السابق ص 384 . 4- ---------------- 5- قصة الحضارة طبعة الهيئة العامة للكتابص 384 . 6- المصدر السابق ص 386. 7- المصدر السابق ص –. 8- نقلا عن عبد الغني عمار ( الصهيونية وإشكالية بناء النموذج ) . 9- د. جورجي كنعان , العنصرية اليهودية , بيروت دار النهار 1987 ص 27 . 10- نقلا عن ابراهيم ابو لغد _ الصهيونية وتطلعاتها المستقبلية ( ندوة ) . 11- نقلا عن عبد الغني عمار ( الصهيونية وإشكالية بناء النموذج ) . 12- نقلا عن ابراهيم ابو لغد _ الصهيونية وتطلعاتها المستقبلية ( ندوة ) . 13- نقلا عن عبد الغني عمار . 14- نقلا عن عبد الغني عمار ( الصهيونية وإشكالية بناء النموذج ) . 15- مكسيم روبنسون ( اسرائيل ) واقع استعماري . ترجمة احسان الحقي . دمشق . وزارة الثقافة 1967 , ص 115 نقلا عن عبد الغني عمار . 16- المرجع السابق ص 170 . 17- المرجع السابق ص 170. 18- نقلا عن عبد الغني عمار . 19- نقلا عن د ابراهيم لغد ( ندوة ) . 20- المصدر السابق . 21- نقلا عن عبد الغني عمار ( الصهيونية وإشكالية بناء النموذج ) . أمل فؤاد عبيد / القاهرة

snake.gif

علي الشامي

 أستاذ الفلسفة وعلم الاجتماع

 الجامعة اللبنانية صيدا

 السفير 29/3/2000


يندرج تصريح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي شاوول موفاز حول "الحدود الجديدة مع لبنان" في سياق بُعدين متكاملين: بُعد يبحث في المفاوضات المرتقبة بين إسرائيل ولبنان عن تشريع للتوسع الحاصل بالقوة والانطلاق منه في ترسيم جديد للحدود الدولية على حساب لبنان، وبعد آخر يلجم موفاز بواسطته المطالبة اللبنانية المستجدة بالأراضي اللبنانية التي استولت عليها الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل منذ 1923 حتى اليوم.

خرجت هذه المطالبة إلى العلن بعد صدور وثيقة نيابية، عشية الاعلان عن بدء المفاوضات السورية الإسرائيلية، وحديث رئيس المجلس النيابي عن حق لبنان في استرجاع أراضيه المحتلة الواقعة جنوبي الشريط الحدودي، وما لبثت ان تحولت الى خطاب رسمي حكومي وسياسي حزبي يتكرر في التصريحات والمناسبات والمحادثات، على أنواعها، بشكل يومي تقريبا. وقد أدرجت هذه المطالبة، في خطابها المتعدد المصادر، عبارة "القرى السبع" كجزء من الأراضي اللبنانية المغتصبة، والتي أصبحت على ما يبدو، عبارة رمزية تستبطن المطالبة بهذه "القرى السبع" وغيرها من القرى والأراضي التي جرى قضمها تباعا وفي فترات متباعدة ووسائل مختلفة.

بيد أن اختزال المطالبة بعبارة "القرى السبع" قد يعبّر عنها فقط ويهمل "أخواتها"، كما قد يؤشر الى وجود عدم معرفة موثقة بهذه "الأخوات". وفي الحالتين، بات من الضرورة التذكير بالقرى السبع وأخواتها بهدف الحيلولة دون وقوع المطالبة الرسمية والحزبية والأهلية في فخ التجزئة التي قد تطيح بالمطالبة نفسها، أو تبقيها في حدود الأراضي التي استولت عليها إسرائيل بعد حرب 1967 وبدايات عدوانها المباشر على لبنان، وعلى المستويات كافة، كمزارع شبعا مثلاً، أو التوسع الجغرافي الذي أعقب اجتياح واحتلال 1982. ومع ذلك، فإن محاولة إثبات "لبنانية" القرى السبع وأخواتها محفوفة بالمخاطر العلمية الوثائقية، تماما مثلما سوف تكون محور سجال قانوني بين المتفاوضين اللبنانيين والإسرائيليين انطلاقا من بنود اتفاقيات الحدود الدولية أو مستندات إثبات الملكية لدى الطرفين وغيرها من العراقيل الدولية التي تهدد بإطالة التفاوض حول هذه "القرى اللبنانية"، هذا إذا لم تضعها أمام حائط مسدود.

تعتمد هذه المقالة، في محاولة إثباتها لشرعية المطالبة اللبنانية بالقرى السبع وأخواتها على الوقائع التاريخية أكثر مما تعتمد على الوثائق القانونية، دون أن تهملها أو تقلل من أهميتها، لا سيما أن الوقائع التاريخية، بما فيها من منازعات وعلاقات حسن جوار ومحاولات متبادلة للاستيلاء على أرض الغير، ترتكز على الثوابت الخاصة بالاجتماع الأهلي، أو ما يمكن تسميته بالمجال المكاني السلطوي للجماعات المحلية، سواء أكانت قبائل أم مذاهب وطوائف، بحيث تنتهي حدود هذا المجال في موقع الفراغ الجغرافي الذي يعزل الجماعات عن أماكن إقامتها والمعاش، مثلما تقف عند شرعية سيادتها على أرضها والأهل. وبهذا المعنى، فإن تعيين حدود جبل عامل الجنوبية يستند الى هذه الثوابت، انطلاقا من واقعية المدى الجغرافي لمناطق إقامة "الشيعة" وحدود نفوذ عائلاتهم وممتلكاتهم. وتدل عبارة "الشيعة" على الطابع الأكثري للاجتماع العاملي الذي عرف دائما، ولا يزال، وجود جماعات من مذاهب وطوائف أخرى، وإن كانت أقل نفوذا وعددا. ففي هذا التحديد، على ما يتفق المؤرخون، عرباً وأوروبيين، يظهر جبل عامل، وبصفته المذهبية الغالبة، داخل حدود تمتد من البحر الأبيض المتوسط باتجاه الشرق، ومن فلسطين باتجاه الشمال، حيث يقيم أهل هذه الصفة ويتميزون، مذهبا وجماعة واجتماعا أهليا وسياسيا ومنازعات وتحالفات وأرزاقا ومدارس...

وكانت هذه الثوابت حاضرة بقوة في ترسيمات الحدود التي أقرتها المعاهدات الدولية بين الكيانات والدول التي تكاثرت في أعقاب الحرب العالمية الأولى والتي أبرمتها الدول الأوروبية المنتصرة في تقسيمها لمناطق النفوذ فيما بينها. وقد بات معروفا لدى الباحثين والمؤرخين، ان ترسيمات الحدود كافة، كانت تأخذ بعين الاعتبار جدوى الاعتماد على المدى الجغرافي لسكن ومعاش ونفوذ الجماعات المحلية، كما كانت تنطلق منها الدول الأوروبية في استراتيجية تقاسم السيطرة على المنطقة. ولم تخرج هذه الدول عن هذه الثوابت إلا في حالة الضرورة القصوى ذات الصلة المباشرة بالمصالح الخاصة بها، أو في حالة الحاجة الى زرع بؤرة نزاع محلي مستقبلي حول الحدود تخدم استراتيجية السيطرة نفسها.

التقاسم البريطاني الفرنسي

وفي هذا السياق، تقاسمت بريطانيا وفرنسا بلاد الشام، حيث خضعت سوريا ولبنان للسيطرة الفرنسية وفلسطين والأردن للسيطرة البريطانية قبل ان تصبح هذه المناطق كيانات وأقطارا ودولا ذات سيادة وطنية. وبمعزل عن موازين القوى البريطانية الفرنسية، فإن اتفاقيات ترسيم الحدود بين المناطق الخاضعة للاستعمار أو الانتداب انطلقت من واقع المجال الحيوي لسكن ومعاش ونفوذ الجماعات المحلية الأهلية: قبائل وعشائر في مناطق، طوائف ومذاهب في أخرى.

وقد لحظت المنطقة الزرقاء في اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، في نسختها السرية، حدود السيطرة الفرنسية على سوريا عند النقطة التي تنتهي إليها بلاد "المتاولة" أو بلاد بشارة الواقعة شمالي منطقة السيطرة البريطانية على فلسطين. وبوضوح أكثر، فإن اتفاقية سايكس بيكو تضمنت تشريعا دوليا لحدود جبل عامل التاريخية، وذلك في سياق التوليف الفرنسي لدولة لبنان الكبير التي أعلنها الجنرال غورو في أول أيلول عام 1920. ولكي تضمن فرنسا الحد الأقصى لمصالحها تشددت في مراعاة الوحدة الجغرافية المجتمعية للجماعات الواقعة تحت انتدابها، فوقعت على اتفاقية 23 كانون الأول 1920 التي تنص على أن حدود دولة لبنان الكبير الجنوبية تبدأ عند مصب نهر الزيب، شمال عكا، على البحر الأبيض المتوسط، وتشمل جميع الأراضي المحاذية لوادي القرن صعودا باتجاه بحيرة طبريا والسفوح الغربية لجبل الشيخ، أي جميع الأراضي المملوكة من لبنانيين والمأهولة ب"المتاولة" وغيرهم من اللبنانيين الذين وفدوا إليها للاستثمار أو للسكن، وبخاصة من جبل لبنان بعد أحداث القرن التاسع عشر الطائفية.

الى هنا، تكون القرى السبع وأخواتها قد أصبحت جزءا لا يتجزأ من لبنان الكبير، بما هي أهل وأرزاق داخلة في حدود جبل عامل المعروفة تاريخيا، وبما هي بنود ناطقة وصريحة في اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 واتفاقية الحدود 1920. والى هنا أيضا، لم تسفر المصالح الدولية عن تفتيت شمل الاجتماع العاملي، جغرافيا وبشريا، وهي المصالح التي عادت وأطلّت برأسها من جديد، فراحت "القرى السبع" فرق عملة هذه المصالح عام 1923، ومثلها سوف يكون مصير "أخواتها" عام 1949. وبالتالي، فإن نقطة انطلاق المطالبة اللبنانية بالقرى السبع وأخواتها ينبغي أن ترتكز على حدود دولة لبنان الكبير الشاملة لحدود جبل عامل التاريخية والمنصوص عنها في بنود اتفاقية 1920 المبرمة بين فرنسا وبريطانيا بعد إعلان قيام دولة لبنان الكبير.

أما التعديلات اللاحقة التي طرأت على ترسيم الحدود فقد أخذت بعين الاعتبار مصالح بريطانيا الحاضنة للمشروع الصهيوني، ولم تكن تعبيرا عن خطأ فرنسي في تدقيق حدود الجماعة المحلية التي قررت إضافتها الى الجماعات المؤتلفة في لبنان الكبير. وهذا يعني ان فرنسا تنازلت لبريطانيا عن قسم من الأرض التي أصبحت حدودا جنوبية لدولة لبنان الكبير، وذلك على حساب أصحاب هذه الأرض الذين أخرجوا بالقوة من منطقة السيطرة البريطانية.

نخلص من هذه المقدمة الى اعتبار القرى السبع التي تمّ سلخها عن لبنان وتهجير أهلها اليه كانت أرضا عاملية خالصة بقدر ما أصبحت لبنانية بعد ايلول 1920. ومثلها "اخواتها" التي توسّعت اليها الحركة الصهيونية بعد عام 1948 والتي لا نحتاج في إثبات لبنانيتها الى أدلة من أي نوع.

حدود جبل عامل

وبمعزل عن المسار الذي آلت اليه الامور منذ 1923 حتى اليوم، فإن الحديث عن حدود جبل عامل التاريخية، على لسان أهله والمؤرخين، يسهم في إثبات لبنانية القرى السبع واخواتها، بقدر ما تثبت الوقائع التي رافقت العدوان الاسرائيلي عن لبنان منذ 1948 حتى الآن شرعية المطالبة اللبنانية بانسحاب القوات الاسرائيلية الى الحدود الدولية اللبنانية الفلسطينية كما نصت عليها اتفاقية الحدود المبرمة بتاريخ 23 كانون الاول1920.

عندما كان الشيخ سليمان ظاهر في غربته، رسم حدود موطنه العاملي في بيتين من الشعر:

لعبر الاردن الغربي أصبو

وتجذبني لشرق البحر هضب

ومن نهر الفراديس المصفّى

لنهر القرن لي رهط وصحب

وفي كتابه "خطط جبل عامل"، رسم السيد محسن الامين خارطة جبل عامل من كتابات المؤرخين القدماء، أمثال شيخ الربوة وأبو الفدا والقلقشندي وابن جبير وغيرهم، وتوصّل الى تحديد متواتر يشبه الاجماع، ينصّ على اعتبار جبل عامل جزءا من ساحل الشام تفصله الجبال عن دمشق. ورغم انه "لم يُذكر له تحديد على التحقيق فيكتب التاريخ وتقويم البلدان، إلاّ انه يمكن تحديده على وجه التقريب القريب من التحقيق بحسب ما هو معروف اليوم بين أهله المأخوذ عن أسلافهم يدا عن يد مع ملاحظة ما في كتب التاريخ ونسبة جماعة اليهم علم محل سكناهم الذي أوجب هذه النسبة، فيعلم انه كان يعدّ من جبل عامل في تلك الاعصار. والمحصّل من مجموع ذلك ان حده من جهة الغرب شاطئ البحر المتوسط او بحر الشام، ومن الجنوب فلسطين ومن الشرق الاردن "الحولة" ووادي التيم وبلاد البقاع وقسم من جبل لبنان الذي هو وراء جبل الريحان ووراء إقليم جزين، ومن الشمال نهر الاولي او ما يقرب منه وهو المسمى قديما نهر الفراديس. وهذا التحديد بمجمله مما لا شبهة ولا شك فيه، ولكن يقع التأمل في الحد الفاصل بينه وبين فلسطين، فقد قيل انه هو النهر المسمى نهر القرن، وحينئذ يدخل في جبل عامل ما ليس منه...". وإذا كان التحديد قد أثار إشكالا في حدود جبل عامل المتاخمة لفلسطين، فإنه يبقي القرى السبع واخواتها داخل جبل عامل بما هو "محل سكناهم". غير ان الشيخ علي الزين يرسم حدودا تفصيلية استند فيها الى تحديد السيد الامين في خططه، والشيخ علي سبيتي في كتابه "الجوهر المجرد..."، وخرج من الاشكالات باستناده الى اليعقوبي في كتابه "البلدان"، والشيخ محمد مهدي مغنية في كتابه "جواهر الحكم" وطنوس الشدياق في كتابه "أخبار الاعيان...". حيث يتوصل الى خارطة جامعة حاسمة اتفق على تفاصيلها المؤرخون القدماء والمعاصرون له، بما في ذلك نسبة القرى السبع واخواتها الى جبل عامل. ففي هذه الخارطة تبدأ حدود جبل عامل "من الشمال بمصب نهر الاولي شمالي صيدا، فتدخل مدينة صيدا فيه، ثم يذهب صعدا الى الشرق شمالي قرية البرامية ويتجاوز في خطه قرية روم من جهة الشمال الى ان يصل الى جزين فيضم اليها واديها وشالوقها وجميع القرى التي كانت تابعة لمقاطعة جزين، ويقطع جبل التومات منحدرا الى مشغرة ويتصل بنهر الليطاني من شمال سحمر، ثم يذهب الى ان ينحط على ينبوع نهر الحاصباني ويتجه عندئذ جنوبا على مجرى النهر المذكور، فيدخل فيه جبل الظهر ومشغرة وعين التينة وميذون وسحمر ويحمر وقليا وزلايا ولبايا ولوسي من قرى البقاع الجنوبي، وتدخل فيه قرى كوكبة، وبرغز، وسوق الخان، من ناحية حاصبيا، ثم ينتهي هذا الخط على ضفة بحيرة الحولة الغربية، وينعطف غربا جنوبي مقام النبي يوشع وسالي الهراوي، ويمتد غربا فيتبع مجرى وادي فارة وينتهي عند مصب وادي القرن جنوبي قرية البصة والزيب، فتدخل فيه قرية الخالصة من أرض الحولة وهونين وقدس ويوشع ثم إبل القمح، وصلحة والمالكية، وتربيخا، من القرى التي ألحقت بفلسطين، وتدخل فيه قرية البصة التي كانت مثار النزاع بين العامليين وحكام عكا... ومن الباحثين من يحدّ جبل عامل، من الجنوب بالنهر المسمى بنهر القرن الجاري شمالي طير شيحا الى جنوب قرية الزيب، ومن الغرب بالبحر الابيض المتوسط، ومن الشرق بأرض الخيط او بسهل الخيط، المفصول بينه وبين الجولان بنهر الاردن، وبينه وبين الحولة بالبحيرة التي أزالها الصهاينة الى الوادي المسمى بعوبا، الى نهر الغجر، ثم الوزاني شرقي قرية سردة وقرية الخيام الى قرى كوكبا، فلبايا وسحمر، ومشغرة... ثم يحدد من الشمال بإقليم الخروب وإقليم الشوف او بالضفة الشمالية من نهر الاولي..".

وعلى هذا الاساس، تغدو مساحته 3200 كلم2، ثمانون كلم2 من الاولي الى نهر القرن واربعون كلم2 من الساحل غربا الى منتهى الحدود الشرقية الجنوبية عند ضفة الحولة والشرقية عند منتهى جبل الظهر. وقد ذكر السيد محسن الامين في خططه أسماء جميع مدن وقرى ومزارع جبل عامل داخل هذه المساحة والتي قاربت ال600 اسم، بما فيها بطبيعة الحال، جميع القرى التي ألحقت بفلسطين بعد عام 1920. وقد توزعت هذه المساحة الى مقاطعات داخلية تزداد الفواصل فيما بينها او تقلّ وفق طبيعة العلاقة التي كانت تحدد التوازن والصراع بين العائلات العاملية التي اقتسمت هذه المساحة وجعلت منها مناطق نفوذ لها. ومن المتعارف عليه، ان جبل عامل كان يضم ثماني مقاطعات يفصل بينها بالتساوي مجرى نهر الليطاني. فتصبح اربع مقاطعات جنوبية هي: تبنين، هونين، قانا ومعركة، واربع شمالية هي: الشقيف، الشومر، التفاح وجزين. إلاّ ان الشيخ علي الزين يضيف اليها مقاطعة تاسعة، نقلا عن مؤرخي جبل لبنان وهي مقاطعة جبل الريحان وقاعدتها قرية كفرحونة، وكان حكّامها من آل برو، وذلك وفق ما جاء في تأريخ ابي شقرا للحركات في لبنان...

كانت القرى السبع وأخواتها جزءا من مقاطعتي تبنين وهونين، بل ان العدد الأكبر منها كان من أعمال مقاطعة هونين. ولم تشهد المنازعات العاملية الفلسطينية على تخوم هاتين المقاطعتين أبعادا طائفية على غرار ما عرفته مقاومة العامليين لسيطرة أمراء جبل لبنان على جبل عامل. وبالتالي، يظهر انكماش الحدود الجنوبية المتاخمة لفلسطين بعيدا عن المسار الطوائفي الذي يكشفه انحسار الحدود الشمالية ومتغيراتها السكانية والاجتماعية. ففي الجنوب، حيث ولاية صفد، كان التوسع الفلسطيني لا يعتمد على فواصل جغرافية طوائفية أكثر مما يرتكز على حدود التنازع بين هذه الولاية وغيرها من الولايات، كصيدا ودمشق وعكا وإمارة جبل لبنان، خاصة ان تبنين وهونين والشقيف وصور كانت، في فترات متعددة، من أعمال ولاية صفد، في السلم والحرب، كما يبدو من المصادر التاريخية كصبح الاعشى وتاريخ العثماني والصفدي والدويهي والشهابي...". ورغم ان حدود شمال فلسطين تميز، الى حد بعيد، بين المساحات الجغرافية لأبناء المذاهب، حيث تبدو هذه الحدود وكأنها حدود الشيعة على تخوم فلسطين، أو انها فعلا كذلك، إلا ان المنازعات في ما بين العامليين الفلسطينيين لم تكشف أبعادا ذات دلالات مذهبية. فالحدود كانت متحركة ضمن ثوابت الانتماء والسكن والاجتماع الاهلي، والمناطق التي استغلها فلسطينيو عكا بعد مقتل ناصيف النصار سنة 1780، لم يكن ذلك لأسباب هامة، ولا سيما ان النفوذ السياسي للولايات الفلسطينية كان يتجاوز، باستمرار، مسألة اقتطاع قرية او قريتين ليتعداها الى بسط السيطرة على جبل عامل او على الاقل على مجمل حدوده الجنوبية. وبهذا المعنى نفهم حدود الاشكاليات الحقوقية التي برزت بين العامليين والفلسطينيين حول حقوق الملكية والاستثمار في كل من قرية الزيب الواقعة على البحر في الجانب الغربي الجنوبي من نهر القرن، وقرية البصة الواقعة في سفح جبل بلبون التي "لم تزل تابعة لجبل عامل منذ القديم حتى مقتل ناصيف النصار سنة 1195ه. فأتبعت لعكا، أما مزارع البصة فإن أكثرها الى الآن تخص جبل عامل وخراجها يؤدي الى قلعة تبنين، ومنها الارض المسماة ب(جاليل)، وهي الآن خراب لا مزارع فيها سوى أراض تنزلها العربات والمتلصصون وفيها غابة زيتون عظيمة من غرس الرومانيين يقلع منها كل سنة جانب عظيم لجميع الجهات، وقد وضع أهل ترشيحا يدهم بعد مقتل ناصيف على تلك الارض وعلى الزيتون واستغلوها، ولهم فيها مزارع يزرعونها، وقد أقام عليها حمد البك المحمود (دعوى) في ديوان الايالة في بيروت 1263ه. وتهيأ له شهود من أهالي الزيب وطيرشيحا، وأقر له أهل طيرشيحا بأنها كانت تابعة لبلاد بشارة قديما، وكان رفض الوالي لدعوى حمد البك مجرد تحامل وعصبية.."، كما يروي الشيخ علي الزين.

القرى السبع

تكشف كتابات المؤرخين انتماء القرى السبع واخواتها الى جبل عامل دون ان تؤدي منازعات عائلاته مع الفلسطينيين الى اعتبار استيلاء هؤلاء على قرية ما تعديلا في حدود الجماعات المعنية، اذ يجمع المؤرخون، على اختلاف أهوائهم وغاياتهم، على مبدأ الالتئام الاهلي المذهبي لمواطن السكن والانتشار في طول الدولة العثمانية وعرضها، بما في ذلك وسائل ووسائط سلطة هذه الدولة على رعاياها. ولم تخرج حدود جبل عامل الجنوبية عن هذا السياق الا في اللحظة التي بدأت فيها هذه الحدود متداخلة مع التنافس البريطاني الفرنسي الذي أعقب هزيمة الدولة العثمانية.

وبعبارة اخرى، كان ينبغي انتظار نتائج التدخل الاوروبي كي نتلمس الدلالة السياسية لتصغير جبل عامل من ناحية الجنوب، وهو تصغير أبقته المصالح المتضاربة في إطار القرى السبع، دون ان تهمل، نهائيا، محاولات إيصاله الى الضفة الجنوبية لنهر الليطاني، وإدراجه في استراتيجية التوسع الصهيوني في جنوب لبنان.

فالتنافس البريطاني الفرنسي حول مناطق النفوذ في بلاد الشام وضع الجانبين في تماس مباشر على حدود جبل عامل الجنوبية. فمن جهة، كان البريطانيون يطمحون بالتقدم أبعد من شمال فلسطين بهدف إبقاء النفوذ الفرنسي شمال نهر الليطاني، منسجمين في ذلك مع رغبات زعماء الحركة الصهيونية العالمية في إنشاء وطن قومي لليهود تصل حدوده الى ضفاف الليطاني والحاصباني وسهل الحولة. وعندما لاح في الافق المشروع الفرنسي لتوسيع رقعة المتصرفية وتحويلها الى دولة لبنان الكبير، سارع زعماء الصهيونية لمقايضة البطريرك الماروني الياس الحويك بالمساعدات المادية والفنية مقابل إبقاء هذه المنطقة، الممتدة من الليطاني الى حدود جبل عامل مع فلسطين، خارج لبنان الكبير. ومن جهة ثانية، كان الفرنسيون يرغبون في تحجيم النفوذ الانكليزي في بلاد الشام، وخاصة في المناطق المحاذية لمناطق سيطرتهم في سوريا ولبنان، منسجمين في ذلك مع حاجة الكيان اللبناني الى مجال جغرافي يتجاوز جبل لبنان، مثلما كانت مصلحتهم تقتضي عدم "تلغيم" الكيان الوليد بإضافة "نصف" الاجتماع الاهلي العاملي إليه.

على هذا الاساس، تم ترسيم الحدود بين بريطانيا وفرنسا في اتفاقية سايكس بيكو قبل إعلان دولة لبنان الكبير، وفي اتفاقية الحدود التي تلت ذلك الاعلان ووقعها الجانبان في 23 كانون الاول 1920.

وفي هذا الترسيم فرضت المصالح الفرنسية المارونية شروطها وحدودها على المصالح البريطانية الصهيونية. بيد ان هذا الفرض لم يصمد طويلا. ففي أقل من سنتين تنازلت فرنسا عن أجزاء من الاراضي الواقعة في اقصى جنوب دولة لبنان الكبير.

قد تكون مقاومة العامليين للقوات الفرنسية، وخاصة المواجهات التي تخللت حملة الكولونيل نيجر الهادفة الى إخضاع جبل عامل وإلحاقه القسري بدولة لبنان الكبير، سببا في هذا التنازل الفرنسي عن قرى وممتلكات العامليين، وقد تكون المصالح الخاصة وحدها كامنة في التنازل المذكور. ومهما يكن من أمر هذه الاسباب، فإن التعديلات التي عرفتها الحدود سنة 1922، من خلال اتفاقية بوليه نيو كمب، او اتفاقية "حسن الجوار" الموقعة بتاريخ 23 حزيران 1923، بما هي التزام ببنود معاهدة "سيفر" الخاصة بالتثبيت النهائي للحدود الفاصلة بين مناطق السيطرة الفرنسية والبريطانية، أسفرت هذه التعديلات عن خسارة العامليين ومعهم دولتهم اللبنانية الناشئة، عدة قرى وآلاف الدونمات من الاراضي الخصبة في منطقة سهل الحولة المعروفة ب"جورة الذهب" والتي كانت تاريخيا جزءا لا يتجزأ من مقاطعة هونين" فمنطقة سهل الحولة كانت تتبع بأغلبية أراضيها حتى عام 1923، الى قائمقامية مرجعيون، وهذا السهل يسمى "جورة الذهب" ويمتلك قسما هاما من أراضيه الزراعية الخصبة ملاكون من كبار العائلات الغنية البيروتية، كما يمتلك متنفذو جبل عامل مساحة واسعة فيه بالاضافة الى بعض الملكيات الصغيرة الفلاحية، "وكانت العامة تعمل في هذه الارض تسد بعرقها لقمة عيشها". واستنادا الى شهادة أصحاب الاملاك الذين لا يزالون يحتفظون بأوراقهم الثبوتية لملكياتهم في تلك المناطق، يورد الاستاذ سلام الراسي مساحة الاراضي التي اغتصبتها الحركة الصهيونية من أملاك سكان جبل عامل في سهل الحولة، وخلال مرحلة ما بين الحربين العالميتين فقط، توضح هذه الارقام ما يلي:

إن سكان مرجعيون فقدوا 14211 دونما، وكفركلا 2007 دونمات، ودير ميماس 1087 دونما، وحاصبيا 4441 دونما، والقليعة 210 دونمات، والطيبة 419 دونما، وسكان القرى الاخرى المتفرقة 200 دونم. أي ان سكان جبل عامل والمنطقة المحيطة بسهل الحولة فقدوا ملكية حوالى 23 الف دونم من الاراضي الزراعية الخصبة التي كانوا يمتلكونها ملكا خاصا، تضاف اليها مساحات شاسعة من الاراضي التي كانت لكبار الملاكين اللبنانيين هناك باسم ملكيات التصرف والتي حرمتهم منها إدارة الانتداب البريطاني تحت ستار انهم لم يقدموا الاوراق الثبوتية اللازمة عنها إبان فترة التحديد والمساحة، فسجلت هذه الاراضي باسم أملاك الدولة التي انتقلت بكاملها للحركة الصهيونية في فلسطين...".

أما القرى السبع (وهي طبعا أكثر اذا استدركنا اخواتها) فقد خسرها لبنان بعد ولادته بسنتين مرورا الى ما بعد قيام دولة اسرائيل. اذ، "وبموجب اتفاقية حسن الجوار عام 1923 بين الانتدابين الفرنسي والانكليزي، ولقاء تجديد امتياز تجفيف مستنقعات الحولة لشركة فرنسية بدأت التجفيف قبيل الحرب العالمية الاولى، انتقلت سبع عشرة قرية جنوبية الى الانتداب البريطاني، وبالتالي الى الحركة الصهيونية العالمية، منذ مطالع 1924، وهذه القرى هي: المطلة، النخيلة، الصالحية، الناعمة، الخالصة، الزوية، المنصورة، الذوق الفوقاني، الذوق التحتاني، خان الدوير، الدوارة، الخصاص، العباسية، دفنة، اللزازة، هونين، ابل القمح..".

وهكذا نقضت فرنسا التزاماتها تجاه حدود الدولة التي أقامتها في لبنان. وتعاملت هذه الدولة الناشئة مع التفريط الفرنسي بترابها الوطني وكأن شيئا لم يكن. فكانت النتيجة ان أخذ المشروع الصهيوني الارض وطرد السكان، الذين كانوا قبل ثلاث سنوات مواطنين لبنانيين، الى منطقة سيادة دولتهم وحاميتها دولة الانتداب، حيث تحولوا فجأة الى رعايا بدون وطن وحصلوا على نعمة "هوية قيد الدرس".

قضم جديد

وبما ان السكوت على القضم يزيد في شهوة التوسع عند المقتدر، أضافت دولة اسرائيل بعد قيامها عام 1948 قرى عاملية لبنانية اخرى وكرستها باتفاقية الهدنة عام 1949. اذا اجتاحت القوات الاسرائيلية، عشية إعلان دولة اسرائيل، الاراضي اللبنانية واحتلت تسع عشرة قرية بعد ان ارتكبت مجزرة في بلدة حولا. وبين انسحابها وتوقيعها على اتفاقية الهدنة، استولت اسرائيل على قرى شوكة، اقرت، حانوتة، معسولة، المالكية. الدحيرجة، كفر برعم، الجردية، بعد ان طردت سكانها الذين سرعان ما أصبحوا ايضاً مواطنين لبنانيين "قيد الدرس"، وبذلك يكون لبنان قد خسر، بعد ولادته بثلاث سنوات، وبعد استقلاله بثلاث سنوات ايضاً، 24 قرية و23 الف دونم من الاراضي الصالحة للزراعة. واذا كانت هذه القرى قد تجاوزت العدد سبعة فإنها قد تكون ايضاً أكثر من 24 اذا أضفنا اليها المزارع والخرائب. وهو الامر الذي يفسر التعداد المختلف للقرى التي خسرها لبنان حتى 1949 في حدوده الجنوبية من الجنوب الغربي الى الجنوب الشرقي، والتي ذكرها الشيخ علي الزين بتسميته قرى "المشرفة، والناقورة، وما يتبعها من خرائب ومزارع كجاليل (من ملك علي اسعيد وغيره من عرب السبنيه) وقرى معصوبة، وحانوتة، وادمت، وجردي، واعربّين، وخربة الصوانة، وخربة مردة، وقربة اكرت، وطربيخة، وما يتبعها من خرائب، ومنصورة (بيت مطر)، وسعسع، وصلحة، وديشوم، والمالكية، وقدس او قادس نفتالي، ومزرعة يوشع، والمنارة، وهونين، وابل القمح، والمطلة، الى غيرها من القرى الخربة او المستحدثة ضمن حدود جبل عامل القديمة كقريتي مسكف عام قرب عديسة، والتخشيبة ضمن ابل القمح اليهوديتين".

وفي هذا السياق، ينبغي الاقلاع عن ترداد عبارة القرى السبع لأنها أكثر من ذلك، ولكي لا تعترف اسرائيل بأخواتها بعد إهمال او جهالة بها في خطاب المطالبة اللبنانية المتأخر والمشروع.

ومع ذلك، فالتوسع الصهيوني لم يقف عند حدود القرى السبع واخواتها، كما لم تردعه اتفاقية الهدنة عن المزيد من القضم في حدود لبنان الجنوبية، حيث تكشف استراتيجية التدخل الاسرائيلي في لبنان، منذ بداية الستينيات، وقائع التوسع الذي لم يتوقف. ففي سنة 1967 بدأت اسرائيل بوضع يدها على منطقة غنية بالمياه والبساتين المزروعة، وهي المنطقة المعروفة بمزارع شبعا الواقعة على مساحات واسعة من السفح الجنوبي لجبل الشيخ والجزء الشمالي من سهل الحولة، وتمتد من بلدة كفرشوبا حتى الحدود السورية على مساحة تبلغ 25 كلم2 وتضم 14 مزرعة و1075 منزلا تأوي أكثر من 1200 عائلة.

وقد احتلت اسرائيل هذه المزارع تباعاً قبل ان تقدم على طرد سكانها نهائياً في نيسان 1989، وتضيف اليها مزارع اخرى، بحيث تكون اسرائيل قد قضمت من التراب الوطني بين حربي 1967 و1973 المزارع والنواحي التالية:

خربة الدوير، برختا، المعز، زبدين، بيت البراق، ربعة، قفوة، برتعيا، رمتا، كفر دورة، جورة العقارب، فشكوا، القرن، سبطرا، خلّة الغزالة، البحاصير، وادي الخنسا، رويسة بيت الداس، رويسة السماق، الجل الاحمر، حرش مشهد الطير، الشمل، بركة النقار، السواقي، جورة العليق، تلة السدانة... ومنذ العام 1974 بدأت اسرائيل باقتطاع تدريجي استمر حتى سنة 1988، وخسر لبنان من جرائه شريطاً من أراضي عيترون طوله ثلاثة كيلومترات وعرضه يتراوح ما بين 100 و500م، و80 دونماً من أراضي بليدا و90 دونماً من أراضي رامية، و50 دونماً من عيتا الشعب، و150 دونماً من أراضي علما الشعب وتلال الضهيرة. اضافة الى جبل الشميس كله...

الترسيم الجديد

أما الحدود الجديدة التي يطالب رئيس الاركان الاسرائيلي بترسيمها مع لبنان أثناء المفاوضات المقبلة، فقد توسعت اليها اسرائيل قبل ذلك وقد تضيف اليها مساحات اخرى لأسباب أمنية؟ فمنذ العام 1982، أي بعد الاحتلال المباشر بدأت اسرائيل بإجراء تعديلات على الحدود المعترف بها دولياً، وذلك بالتقدم والتوسع شمالا داخل الاراضي اللبنانية. فقد نقلت الشريط الشائك الفاصل بين الحدود من محاذاة مستعمرة المطلة الى مسافة 600م شمالا بطول يراوح ما بين 3 كلم و5 كلم. ثم شقت طريقاً على الضفة الجنوبية لنهر الوزاني بطول 12 كلم، بعدما اقتطعت الاراضي المحيطة بالنبع والتي تبلغ مساحتها 5 آلاف دونم، كما ضمت قسماً من سهل الخيام، ومساحة 700 دونم من أراضي عيتا الشعب و800 دونم من أراضي رامية ومروحين و400 دونم من أراضي الضهيرة و70 دونما من أراضي علما الشعب. ومنذ نيسان 1989 بدأت بتنفيذ الخطوات العملية لضم 40 كلم2 من الاراضي الواقعة بين مستعمرة المطلة ومرصد جبل الشيخ، اضافة الى تعديل آخر في الحدود قامت به وحدة هندسية في جيش الاحتلال، وذلك بهدف إعادة ترسيم الحدود الدولية في القطاع الغربي المحتل، بحيث تتقدم الحدود شمالا مسافة 200م داخل لبنان وعلى طول اربعة كلم، بعد ان مهدت لذلك، سنة 1991، بقضم ثمانية كلم2 قبالة مستوطنة برعام الصناعية، وواصلت تقدمها، سنة 1995، في اتجاه أملاك الوقف الماروني في الدبيشة..

وبذلك يكون التوسع الصهيوني في حدود لبنان الجنوبية تجاوز القرى السبع، ولن يبخل الناطقون باسمه على المفاوض اللبناني بمستندات الملكية او بالتفاوض على التوسع الذي حصل بعد الاحتلال وخلاله، على أقصى التفاؤل والرجاء. وعليه، لم يعد من مصلحة لبنان العملية والاعلامية ترداد المطالبة بالقرى السبع، اذ تجاوزتها اخواتها وضاعفتها، منذ الصمت المريب الذي خيم على قضم الحدود على امتداد سنوات الولادة والاستقلال والحروب والاحتلال...

مراجع البحث :

مجلة العرفان.

خطط جبل عامل للسيد محسن الامين، طبعة 1983.

للبحث عن تاريخنا في لبنان للشيخ علي الزين، طبعة 1973.

تاريخ الحركات في لبنان لأبي شقرا.

كتاب البلدان لليعقوبي.

تاريخ الملوك للطبري.

كتاب صفحات من تاريخ جبل عامل، المنشور عام 1979.

كتاب الاحتلال الاسرائيلي الصادر سنة 1995.

كتاب وثائق العدوان الاسرائيلي الصادر عن مجلس النواب عام 1995

Back to Top

لمعرفة رأيكم وملاحظاتكم نرجوا مراسلتنا على البريد الالكتروني

KFARKELA_MJ@YAHOO.COM

 

KFARKELA@HOTMAIL.COM

KFRKELA@YAHOO.COM